تعتبر تسوية المدفوعات عن طريق الشيكات أحد أهم السمات الحضارية للمجتمعات الحديثة والتي ظهرت أهميتها بصفة خاصة بعد تعاظم حجم العمليات التجارية، حيث أصبح من الاستحالة بمكان سهولة إجراء مثل هذه التبادلات التجارية الضخمة وإيجاد بيئة تجارية مزدهرة دون استخدام الشيكات والتي وجدت أصلاً لضمان الأمان للمتعاملين من حمل مبالغ نقدية وما يرافقها من مخاطر التعرض للسرقة والضياع، حيث تصل في بعض الأحيان إلى القتل وإزهاق الروح التي حرم الله إزهاقها.
وفي الأراضي الفلسطينية التي بدأت مشوار التحرر الوطني ومنذ الوهلة الاولى لتسلم سلطة النقد الفلسطينية دورها كأول سلطة نقدية فلسطينية وإسناد دور هام ورئيسي تمثل في المراقبة والإشراف على أداء الجهاز المصرفي في فلسطين (والذي كان مغيباً قسراً بسبب الظروف التي مرت بها الأراضي الفلسطينية إبان الاحتلال الإسرائيلي)،بات ضروريا ايجاد غرف للمقاصة يتم من خلالها تقاص الشيكات لخدمة المواطنين وكافة القطاعات الاقتصادية العاملة داخل محافظات الوطن وذلك من أجل المساهمة في خوض مرحلة البناء المؤسساتي ودعم جهود السلطة الوطنية في بناء اقتصاد فلسطيني قوي وفعال تمهيداً لإعلان دولة المؤسسات في دولة يسودها القانون، ففي مطلع عام 1996 قامت سلطة النقد الفلسطينية بالبدء في تنظيم إجراءات التقاص ما بين البنوك العاملة في فلسطين وذلك بافتتاح اول غرفة مقاصة فلسطينية في غزة بتاريخ2/1/1996 لتخدم البنوك العاملة في محافظات غزة تلاها بعد ذلك بشهر افتتاح غرفة مقاصة في محافظة رام الله والبيرة له لتخدم محافظات الوطن الشمالية(الضفة الغربية).
مراحل تطور ونشأة المقاصة:
مرحلة تأسيس أول مجلس مقاصة 1995-1996
بعد انشاء السلطة الفلسطينية وتأسيس سلطة النقد, اقتصر عمل سلطة النقد (خلال العام 1995) على التجميع الاحصائي للشيكات والحوالات لعدم توفر الجاهزية لديها في تلك الفترة على تنفيذ تسوية وسائل الدفع.
وفي نهاية العام 1995 تم تكليف لجنة مختصة لوضع تعليمات المقاصة وتحديد آلية عملها وتأسيس مجلس المقاصة الفلسطينية الذي كانت مهامه الرئيسية تتمحور حول:
- وضع السياسة العامة لعمل المقاصة في فلسطين.
- تحديد مواعيد اجراء عمليات التقاص.
- الفصل في الاختلافات الجوهرية ما بين البنوك.
- التوصية الى سلطة النقد بانشاء مكاتب مقاصة في المدن الفلسطينية كلما اقتضت الحاجة لذلك.
المقاصة اليدوية 1996-1998: مرحلة تأسيس غرف المقاصة
في 2\1\1996 اتخذت سلطة النقد قرارا استراتيجيا بافتتاح اول غرفة مقاصة لتقاص الشيكات في فلسطين وتم البدء بوضع الترتيبات التشغيلية اللازمة لذلك, حيث طلب من المصارف فتح حسابات جارية لدى سلطة النقد بالعملات التي يتم تداول الشيكات بها والاحتفاظ برصيد كاف لدى سلطة النقد لتغطية الأرصدة المدينة الناشئة عن المقاصة, وتم تحديد أول آلية لعمل المقاصة (المقاصة اليدوية) من خلال تنفيذ عمليات تبادل الشيكات الورقية, واعداد الكشوفات اليدوية والذي يتم على أساسها احتساب الأرصدة وتسويتها حسابيا.
وكان البدء في تأسيس غرف المقاصة الوطنية وادخال تقاص الشيكات والحوالات بشكل تدريجي وفقا للبرنامج الزمني التالي:
- 2\1\1996: تم افتتاح غرفة مقاصة غزة لتنفيذ عمليات تقاص شيكات الدينار الأردني للبنوك العاملة في المحافظات الجنوبية ( قطاع غزة).
- 1\2\1996: تم افتتاح غرفة مقاصة رام الله لتنفيذ عمليات تقاص الشيكات في المحافظات الشمالية (الضفة الغربية).
- 1\5\1996: البدء بتبادل وتقاص شيكات الدولار وادخال مقاصة حوالات الدينار الاردني والدولار الامريكي من خلال غرفتي مقاصة رام الله وغزة.
المقاصة النصف آلية: 1998-2014
بناءا على الدراسات الاحصائية التي أعدتها سلطة النقد في العام 1998 التي أظهرت ارتفاع عدد الشيكات المتداولة بعملة الشيقل الاسرائيلي مقارنة بباقي العملات, وبهدف التمهيد لتداول الشيكات والحوالات بعملة الشيقل دون تشكيل أعباء تشغيلية على المصارف, نفذت سلطة النقد وبالتعاون مع القطاع المصرفي برنامج أتمتة جزء من عمليات المقاصة والتي تتيح تبادل بيانات الشيكات بشكل آلي ضمن نظام (المقاصة النصف آلي) مما أتاح المجال نحو تقاص الشيكات بعملة الشيقل والتوسع في عمليات التقاص بالعملات الأخرى, وذلك وفقا للبرنامج التالي:
- 1\6\1998: تطوير برنامج المقاصة بما يتيح القراءة الآلية لبيانات الشيكات وفقا للملف التفصيلي المعمم على المصارف.
- 6\6\1998:تم اضافة تبادل شيكات الشيكل من خلال غرف المقاصة الوطنية والبدء بتنفيذ المقاصة النصف آلية باستخدام ملفات الشيكات الالكترونية وطباعة التقارير الآلية.
- 1\9\1998: تم اضافة تبادل حوالات الشيكل من خلال غرف المقاصة الوطنية
- 1\12\1998: البدء في استعمال الشيكات الممغنطة ووقف تداول الشيكات الغير ممغنطة.
- 15\7\1999: أتمتة عملية تبادل الحوالات الشخصية من خلال غرف المقاصة الوطنية باستخدام ملفات المقاصة الالكترونية.
- 18\10\2000: تم تأسيس ثالث مركز لتقاص الشيكات والحوالات في فلسطين من خلال افتتاح غرفة مقاصة نابلس بشكل مؤقت بسبب الأحداث (الاغلاقات وانقطاع التواصل ما بين محافظات الوطن).
- 10\2\2004: البدء بتداول الشيكات بعملة اليورو من خلال غرفة مقاصة رام الله.
- 30\6\2011: وقف تداول الحوالات من خلال غرف المقاصة الوطنية
- 2005-2014: شهدت هذه الفترة انطلاق العديد من المشاريع التطويرية الرئيسية في نظم المدفوعات والتي كان أهمها اطلاق نظام سويفت للتحويل الالكتروني ونظام براق للتسويات الفورية, والتي ساهمت في خفض المخاطر الناتجة عن تسوية نتائج المقاصة.
المقاصة الآلية: 2014
شرعت سلطة النقد في الأعوام الخمسة الأخيرة، في تطبيق خطة عمل تهدف إلى إحداث تطور جذري في عمل القطاع المصرفي تماشياً مع أفضل المعايير الدولية في مجال نظم الدفع والتسوية, وفي اطار تنفيذ الركيزة الثالثة من ركائز نظام المدفوعات الوطني بخصوص تطوير مدفوعات التجزئة تم اطلاق نظام التقاص الآلي للشيكات وعمليات الدفع بالتجزئة.
حيث أسهم هذا المشروع في أتمته عمليات تقاص الشيكات وأدوات الدفع بالتجزئة من خلال تطوير البنية التحتية وآليات الربط مع المصارف, وعلى المدى المتوسط والبعيد سيشكل هذا النظام الجديد منظومة متكاملة لتقاص أدوات الدفع بالتجزئة وامكانية تقاص مدفوعات الحكومة.
ومن أهم خواص النظام الجديد:
- خفض المخاطر التشغيلية المرتبطة بالعمل اليدوي في النظام السابق وأتمته العمليات.
- دقة البيانات الالكترونية التي يتم تنفيذها من خلال النظام وتوحيدها لكافة المصارف الاعضاء من خلال تنفيذ عمليات فحص آلية.
- توفير أدوات مراقبة فورية ولحظية لكافة الأعضاء فيه.
- توفير مجموعة من التقارير التشغيلية والمالية للأعضاء فيه.
- تصفية المراكز المالية لعمليات الدفع بالتجزئة وارسالها بشكل مباشر الى نظام بـراق للتسويات الفورية.
- توفير الوقت والجهد على المصارف الاعضاء بحيث يصبح بالإمكان عقد جلسة المقاصة وتسوية نتائجها في وقت مبكر مما يساعد المصارف على حسن ادارة النقدية لديها.
مع العلم بأن عملية تبادل الشيكات الورقية ما بين المصارف الأعضاء من غرف المقاصة الوطنية ما زالت مستمرة.